السبت، 18 فبراير 2012

الحب فوق كرسي متحرك



  




راح يوم كم انتظرته وحلم كم تمنته ...يوم عرسها بفستانها الابيض ..راح الحلم كما راحت البسمة ...ذهبت الحادثة بكل شيئ كما ذهبت بقدرة الوقوف علي ساقيها .....كيف تحلم عروس بليلة عرسها وهى أسيرة كرسيها المتحرك ؟ ..كيف تحلم بالرقص مع رفيق العمر وسط قاعة أفراح مليئة بكثير من البشر .....لم يزل الحبيب علي عهده ويود اكمال مشوارهما معا ..لكنه يوما سيفتر ..هكذا حدثتها نفسها وهى تتأمل فى مرآتها وجهها وقسماتها ..أضاف الحزن ألف عام لعمرها .. كيف يحدد الحزن والألم ملامحنا وكيف نكبر ويصيبنا الذبول .؟..لم تزل تتحسس وجهها بأنامل باحثة متوجسة ..صدى صوته يملأ الغرفة ...
- ماأجملك .. تعالي قفي بجانبي ...لاتخافين لن آكلك ... صراحةً ... طولك يؤرقني ...تم محتداً بخفة ظله المحببة ...
- كل هذا الطول ... فلم الكعب العالي ... ثم مالبث أن صرخ مثل طفل سعيد .....
- أنا الأطول ... رغم أنف كعبك العالي ... جاهدت لتبتسم وهى تتذكر قولها له ..
- اسكت سيلتف الناس حولنا ...مابك ؟ أعرف انك الأطول .. والاجمل .. والاروع
- الأجمل ؟ يالك من كاذبة ....
... حبها وحبيبها ...حتي الوقوف علي قدميها أصبح ذكرى .. أصغت السمع لوقع حبات المطر علي نافذتها .. و المطر المنهمر وسكون الليل أضافا اليها احساسا بالوحشة والعزلة ....قطع تأملاتها جرس الباب ..سمعت صوته .. انه هو .. هو ..لم يسعفها الكرسي المتحرك لتكون أول من يقابله ...ولم تكن تريد ..لكن مالذى أتى به ... ؟ أهى الشفقة ؟...أأتى به وعده بألا يتخلي عنها ... ولمَ لايكون الحب ..أيدفعه الحب ليرتبط بها وهى قعيدة .. سمعته يعتذر لوالدها لحضوره بغير سابق موعد
- انا الذى حدثتكَ عني نغم ... لولا انها اغلقت هاتفها لكنت أخذت موعدا فعذرا ...
هب واقفاً حين رآها تدخل بكرسيها المتحرك ...تعلقت عيون الاسرة علي ذك الذى جثا علي ركبتيه يحدثها .. وشعره المعبأ بالمطر راح يسقط قطرات الماء علي وجهه ... راحت تحدق فيه .. كأنما تستغرب حضوره .. وتستغرب اصراره عليها ...زلزلتها الكلمة المتوحشة التى كثيرا ماقالتها لنفسها ... الشفقة .. لم ينطقا بكلمة مسموعة .. أخرج من حقيبته بطاقات دعوه .. لمعت عيناها .. هو .. هو .. بكل جنونه ..
- ماهذا .. سألته
هذه بطاقات دعوه ..وهذا حجز القاعة ...وتعلمين ان الشقة لاينقصها الا أنت
استغرب الاب ولم يستنكر .. هذه زيارته الاولي .. جاء ببطاقات الدعوة وبحجز القاعة .. ولم يعلق ...
-أشكر موقفك النبيل ...لكن لااستطيع
قالتها بصرامة لاحد لها ولا رجعة فيها ثم أردفت وهى تستدير بكرسيها المتحرك
- أى قاعة ..وأى ارتباط وأنا علي هذا الكرسي اللعين .... وأى زواج هذا الذى أستطيعه ؟
هى نفسها تستغرب .. أنَّى لها بهذه القسوة وهذه القوة ..يبدو أن الكرسي ذو العجلات خلق منها انسانة لاتعرفها ...راح هو يمسح حبات المطر التى تجري علي وجهه ..
- لن أبرح الا بموافقتك .. لمَ تعرضين عني .. بربك لاتضيعي مابيننا ... لمَ تفعلين ذلك ؟
- لانى أكبر من أى شفقة
- هذا والله خطأ .. أنسيتي من أنا .. انسيتي مابيننا .. ألم تختاري معى غدنا ...
تركته الى غرفتها والدهشة تلجم جميع من يرى ...اعتذر له الاب واحتضنته الام باكية .. وشاكرة ... ولسان حالهم يسأل .. من أى زمان أتى هذا الشاب ...
قضت ليلتها تحلم به .. تراقصه بفستانها الابيض ... بل راح يغني لها ... ايقظها من حلمها طرق علي بابها .. ..واذان الظهر ينبأ بتأخرها فى النوم .. اندفع أخوها يحدثها وتكاد الدهشة تعقد لسانه .. صرخ فيها ان تنظر من نافذة حجرتها ..اعتمدت بمرفقيها علي سور نافذتها التى تعلو سريرها ..لتراه واقفا والمارة ينظرون بدهشة وتعجب كبيرين وقد وقف مغتسلا بالمطر المنهمر كالسيل ..رافعاً لوحة مكتوبٌ عليها ..." نغم .. لن أتزوج غيرك .." .. يالروعة جنونك .. ظلت تحدق فيه وقد علا صياح وتصفيق الملتفين حوله حينما أطلت عليه ..أكثر من خمس ساعات وهو واقف تحت نافذتها .. .. رجتها الام أن تدعوه ليصعد .. أشارت اليه أى تعالي ..أسرع بالصعود اليها ...وقف أمامها وقد بدا كغريقٍ كتب له النجاه ...
- ماذا تفعل .. أى جنون هذا .. لقد حولت الشارع الى ميدان تحرير
- سأعتصم أمام بيتك كما اعتصمت بميدان التحرير .. حتى ترضى وتوافقين
- بدون قاعة أو مدعوين .. ليس ثمة فرح اتسعت عيناه فرحا .. واحتضنتها الام ببكاء من لاتصدق سألها بحب
- توافقين اذن نغم ؟
- نعم .. بلا فرح أو مدعوين
- لا .. بل سترتدين فستانك الابيض ... وستبدين كأجمل عروس فى الدنيا
امتلأت القاعة بمدعوين أتي معظمهم ليروا الحب فوق كرسي متحرك كيف يكون ...وقفوا وصفقوا كثيرا حين رأوه داخلا القاعة حاملا عروسه صاعدا بها الي المسرح ثم وهو يراقصها وهى علي ذراعيه تحوط رقبته بيديها .. وعيونها تنطق بالحب ..مكللا بالامتنان
- لم أكن أعلم انك تملك كل هذا القلب
- تعالي أضعك بهذه الارجوحة .. انها صنعت لك
يالروعة نظرة الامتنان بعينيها ...وهو يؤرجحها تارة .. ويحملها بين ذراعيه ويراقصها تارة اخرى .. ولما راى الامتنان فى عينيها قبل يدها ..ضجت القاعة بالتصفيق ... للفارس النبيل ..فعاود تقبيل يدها .. ممعنا النظر فى عينيها ولسان حاله يقول .. ليس مهما أن تكون لكِ قدرة الوقوف علي ساقيك لنرقص معا فى ليلة عرسنا حبيبتي.....سينتصر الحب وسيعيش ولو علي كرسي متحرك
 
رمضان شحاته
2/2012 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق